Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

لا أمة ولا دولة الأزمات المتكررة في تشاد بيار كونيسا* Pierre Conesa إن تشاد، البلد المحاصر في افريقيا الوسطى وذا الحدود "الممتنعة " والذي تتنازعه الجماعات التي يتألف منها، هو البلد- الرمز للعلاقات "التاريخية" بين افريقيا وفرنسا، وهو يعيش منذ أربعين سنة وضعا متأزما على الدوام تساهم فرنسا على طريقتها في ديمومته، إضافة الى بعض الدول المجاورة له. ورئيسه ادريس ديبي، الذي استولى على السلطة في كانون الأول/ديسمبر عام 1990 إثر انقلاب عسكري "ساندته" فيه المخابرات السرية الفرنسية، يسعى اليوم الى إعادة انتخابه في عشرين أيار/مايو عبر عملية اقتراع تستنكرها المعارضة معتبرة انها عملية "نفاق". قبل كل شيء فلنسقط بعض الأوهام! فليس في رهانات الأزمة التشادية ما هو اقتصادي، إذ إن تشاد المحرومة أي ثروة زراعية أو مائية أو مالية تعتبر من بين البلدان الأقل تطوراً، فليس في حزام آووزو أورانيوم، وآبار البترول في لوغون الشرقية وفي بحيرة تشاد لايمكن استثمارها بكلفة اقل من 20 دولارا للبرميل الواحد، أي انها تفتقر الى القدرة التنافسية والبرهان على ذلك هو عدم اهتمام معظم الشركات البترولية الكبرى بمشروع مد انابيب النفط الى خليج غينيا. وليس في هذا البلد المحاصر أكثر من 250 كيلومترا من الطرق المعبدة مركزة كلها حول العاصمة. قبل الاستعمار كانت هناك في شمال البلاد و جنوبها مجتمعات مفككة غير منتظمة في إطار دولة، وبعض الممالك الاسلامية المنتشرة في منطقة الساحل، مثل مملكة عوايدي، كلها تتعايش على أرض لم تكن قد سميت تشاد. وفي الشمال كانت قبائل التوبو والهاجرة وغيرا تعيش من التجارة عبر الصحراء (الملح والذهب والرق...)، تشتري العبيد المأسورين من الجماعات الاحيائية في المنطقة الاستوائية، من ممالك الجنوب لبيعهم في شمال الصحراء. ومن أجل السيطرة على التجارة عبر الصحراء كانت الحروب سجالا بين هذه الممالك الساحلية التي امتلكت أساساً كل مواصفات المملكة (عملة صدفية، وادارة المناطق). واقتصاد الرق هذا طبع الذهنيات الى حد بعيد إذ ترسخ شعور التفوق لدى القبائل الرحل على أهل الجنوب ولدى العرب على السود... يمكن اذاً فهم الازمة التشادية على انها من رواسب " الحركات المناطقية" بين افريقيا السوداء وافريقيا العربية تماما كما هي الحال بالنسبة الى النزعة الانضمامية للطوارق والثورة في جنوب السودان. فضمن الحدود التي وضعها الاستعمار في تشاد اجتمع على بقعة واحدة الماء والنار، فهناك حوالى 200 اتنية تتكلم باكثر من 100 لغة، تسيطر فيها المجموعات التي تشكل اقليات قوية مثل العرب (15 في المئة من السكان) والسارا في الجنوب (20 في المئة). وهناك القبائل الرحل الكبيرة التقليدية من الريتزو تعيش بدون اي تنظيم حتى شبه حكومي في جوار السكان الزراعيين المستقرين. وجاء الاجتياح الاستعماري ليقضي سريعا على الدول الساحلية، ولكن السلام، الصعب التحقيق، لم يكتمل في تشاد الا في العام 1918، وقد ظلت المنطقة الشمالية، برغو وانّيدي وتيبستي، تحت الادارة العسكرية الفرنسية حتى العام 1964، أي بعد أربعة أعوام من استقلال البلاد. وفي هذه المنطقة من افريقيا الاستوائية التي كانت خاضعة لإشراف الادارة الفرنسية، ظلت سلطة العاصمة فورلامي نظرية أكثر منها فعلية. وكما في الكثير من البلدان الافريقية التي عانت العبودية، اخذت الشعوب التي وقعت ضحية تجارة الرقيق جانب المستعمرين، فاعتنق الجنوبيون وخصوصا قبائل سارا (20 في المئة من مجمل السكان أي ما يقارب 1.5 مليون نسمة) ولو في جزء منهم، الديانة المسيحية والتعليم الغربي مشكلين بذلك الكوادر المحلية للاستعمار، وللاستقلال في ما بعد. وفي المقابل أبدت العائلات المسلمة مقاومة مرسلة ابناءها الى جامعات مصر والسودان. وقد انتهى التفاهم الفرنسي –البريطاني في العام 1899 ثم المعاهدة الفرنسية-الايطالية عام 1936 الى تفصيل حدود البلاد في شكل اعتباطي كليا. فالتخوم الشمالية والشرقية تمر عبر مناطق تتنقل فيها القبائل الرحل الكبرى التي تمثل أراضي الترحل بالنسبة اليها حقا مكتسبا لا يمكن أي مركز حدودي ان يعيد النظر فيها. ليس هناك اذاً أي وجود لامة تشادية، انما هناك مجموعة من الشعوب المتنوعة ذات اقتناعات متباينة حول مفهوم الارض والسلطة. كما ان الطرق الكبرى العابرة الصحراء قد قطعت وأعيد توجيه الخطوط التجارية في اتجاه الجنوب حيث زراعة القطن المصدّر الى الكاميرون والذي يشغل 40 في المئة من اليد العاملة الزراعية ويؤمن 30 في المئة من المصاريف العامة، فخسر سكان الشمال من ثروتهم ومن اعتبارهم. وعندما أراد الرئيس الأول لدولة الاستقلال، فرنسوا تومبلباي، ان يفرض "مفهوم تشاد" على الحياة السياسية في البلاد، اكتفى بأن فرض على الموظفين الجنوبيين ( اعضاء الحزب الواحد) طقوس اليوندو البدائية المستوحاة من اتنية سارا التي ينتمي اليها. كما أن بعض المستشارين في الجبهة الوطنية الاسلامية في السودان، المقربين من الرئيس ادريس ديبي، يطالبون بأن تطبق الشريعة الاسلامية في تشاد مما قد يقصي خمسين في المئة من السكان من مسيحيين وأحيائيين. وليس هناك أي شكل من أشكال تولي السلطة، سواء عن طريق التصدي للقوى الأجنبية ( السيد حسين حبري) أم عن طريق إسقاط الديكتاتورية(السيد ادريس ديبي)، استطاع أن يولد شعورا وطنيا وحدويا راسخا بما يساعد في وقف الحرب الأهلية. ولم تكن السلطة على الدوام سوى أداة للقهر والإخضاع، سواء بالنسبة الى سكان الشمال الذين أقصوا عن المشاركة في السلطة الاستعمارية أم بالنسبة الى سكان الجنوب الضحايا الرئيسيين لأعمال السخرة التي أدت الى انتفاضات العامين 1929 و 1930. فالسلطة في تشاد المستقلة كانت تمارس في شكل منتظم وفق مفاهيم استبدادية ونفعية ووراثية ولمصلحة القبيلة أو حاشية الرئيس حصريا تقريبا، وليس كوسيلة لتوزيع جماعي عادل. وما جرى هو "إسترجاع" السلطة العامة على غرار ما حدث في الكثير من الأمم الفريقية. فكما أنه ليس في تشاد أمة كذلك ليس فيها دولة. أما الأزمة " الحديثة" فقد بدأت في العام 1963، بعد ثلاث سنوات من الاستقلال، ولم تهدأ بعدها بشكل دائم، متفاعلة منذ أربعين سنة وفق آلية دورية على الشكل الآتي: ـ قامت سلطة ديكتاتورية على اساس قبلي، مثلا حكم الرئيس تومبلباي الذي حظر الأحزاب المعارضة منذ العام 1962 ثم راح عملاؤه يمارسون الابتزاز منذ العام 1963 مما أثار ضده حالات التمرد. وهذا ما جرى مع نظامي السيد حبري والسيد ديبي الرئيس الحالي، فتخصص مغانم السلطة لأبناء عشيرة الرئيس وتنهب ثروات الدولة بشكل منتظم. هكذا كان السيد حسين حبري يقتطع من الثروات العامة الضئيلة، الخوة لمصلحته الشخصية ولمصلحة عسكرييه الغورانيين. ـ سرعان ما تفقد الدولة امكاناتها كون الموظفين لا يقبضون رواتبهم ويعتاشون من الفساد والابتزاز، وحتى النظام أحيانا يعجز عن الدفع لمن عنده من المرتزقة الذين يقيمون في البلاد وتواجه الاتنيات المتمردة بالقمع( كما السارا في الجنوب حاليا). ـ وشيئا فشيئا تعم البلاد ثورة تنهض بها الاتنيات المتمردة وتلك التي تعتبر نفسها بكل بساطة مستبعدة. فالسيد ادريس ديبي الذي كان رئيس الاركان في عهد السيد حسين حبري هو الذي نظم إنتفاضة قبائل البديات والزغاوى التي كانت قد دعمت رئيس الدولة عندما استولى على السلطة في العام 1979. ـ تنحسر القاعدة الشعبية للنظام مما يجبره على استخدام القمع، فيدفع المجتمع المدني أفدح الخسائر، كما في عهد السيد حسين حبري حيث سقط حوالى 40000 ضحية. ـ وتتوسع حركة التمرد وتستولي في النهاية على السلطة وعموماً بدون معارك مهمة اذ تكون قوات النظام في منتهى الضعف، فالسيد ادريس ديبي بدأ حملته على العاصمة بـ500 رجل لتنتهي بالفي مقاتل. وهذا ما يأمل أن يفعله الوزير السابق السيد يوسف توغوييمي الذي يقود حاليا حركة تمرد جديدة في الشمال حيث يسيطر على مرتفعات تيبستي. ـ وعند قيام سلطة جديدة تستمد شرعيتها من انتصارها العسكري تعد البلاد بـ"المصالحة الوطنية". ومن أجل هذا يضحي التشاديون بطيبة خاطر وقد بات تقليدا يتكرر للمرة العاشرة أو الحادية عشرة منذ الاستقلال وتشكل حكومة "وحدة" وتقر وثيقة "نهائية" لوحدة مستعصية ( الميثاق التأسيسي في العام 1978، العقد التأسيسي عام 1982، الميثاق الوطني عام 1991...). ـ ثم تدريجيا يتبدد وهم الإجماع مع تنامي النزعة التسلطية عند رئيس الدولة الذي يرفض التخلي عن المكاسب التي يجنيها من السلطة (مثلا الخلاف بين السيد ادريس ديبي ووزير ماليته حول ثروات " الكوتونتشاد"...) أو التي تضمن سيطرته أو سيطرة اتنيته (يرفض السيد ديبي أن تشمل سياسة خفض العسكريين قوات الحرس الجمهوري...) ويصير اغتيال المعارضين من مبادئ اللعبة السياسية(1). وتبقى النقطتان العالقتان هما نفسهما: توزيع الثروة العامة وتشكيل قوة رسمية. ـ ثم انه ليس من الصعب تدويل هذه الحرب العشائرية في أي مرحلة منها، إذ ان كلاً من الفرقاء يسعى الى تأمين الدعم من الخارج وفقا لعلاقات اتنيته التقليدية وبحسب حاجته الى المال أو السلاح، وعلى أساس التضامن الطائفي أو السياسي وقدرته على الترويج لنفسه أو لأهدافه المعلنة... فاذا كل بلد حليف (ومنها فرنسا وليبيا أيضا) مدعو الى دفع رواتب الموظفين وإعداد الكوادر وإنجاز البنى الجديدة وتصفية الحسابات... وعلى كل فان أطراف النزاع يسعون في أطروحاتهم الى استقطاب هذه المساندات الدولية. ففي برنامجها السياسي وعدت جبهة فرولينا "بأن يمتلك الأرض من يزرعها" مع أن قواتها كانت مشكلة من القبائل الرحل. كما أن النزاعات الشخصية والخصومات الأتنية تبقى أكثر اعتبارا من المبادئ السياسية، وليس الهدف الحقيقي من الحرب اقامة الدولة أو ضبط وضع الأراضي والسكان بقدر ما هو السيطرة على الثروات المحدودة جدا أساسا والتي توفرها السلطة في نجامينا. فأي من زعماء الحرب لم يضع أي خطة أولية تنم على الشروع في تحقيق سياسة عامة. ومن جهة أخرى فان أسباب النزاعات هي أكثر بكثير من حوافز المصالحة. فاذا كانت المواجهات تقع تقليديا بين أهل الشمال وأهل الجنوب (زمن تومبلباي وملوم) فان الحرب قد نشبت في ما بعد بين بدو الشمال الرحل أنفسهم، كالصراع بين السيد غوكومي عويدي (توبو) والسيد حبري (غوران)، ثم بين السيد حبري والسيد ديبي (زاغاوى)... أما المواجهات الطائفية فقد اتخذت أشكالا مختلفة، من اضطهاد المسلمين في الشمال في عهد تومبلباي الى المجازر ضد المسيحيين أو الأحيائيين في الجنوب على يد الحرس الجمهوري للرئيس ادريس ديبي. لكن المعيار الطائفي، مسلم- مسيحي، لا يكفي لشرح النزاع بين السادة غوكومي وحبري وديبي وكلهم مسلمون. فالشكل الأكثر تبسيطا لهذا التفكك الاجتماعي يتمثل ربما في تعدد الاحزاب السياسية الموجودة في تشاد (من دون أن نذكر معارضي الخارج). ومنذ البداية كان من الواضح تدخل الدول المجاورة اما لطموحاتها الامبريالية (ليبيا أو السودان) واما خوفا من الانعكاسات المحتملة في أراضيها (السودان ونيجيريا وليبيا والكاميرون). لكن أيا من الدول المجاورة لم تنجح في ايجاد حل للازمة. وهذا ما حاولته نيجيريا والكاميرون ونيجر وليبيا في مؤتمري كانون الأول/ديسمبر والثاني/يناير في آذار/مارس من العام 1979، ثم نيجيريا وليبيا والسودان والسنغال وبنين والكونغو وليبيريا وغينيا ومنظمة الوحدة الافريقية في لاغوس في آب/اغسطس عام 1979، كما تجددت المحاولة في دوغيا في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1979 وباءت ايضا بالفشل. ولم تعد تنفع لا التهديدات ولا الضغوط. وما من قوة استطاعت أن تؤمن لنفسها مكاسب دائمة من التدخل في الازمة. فليبيا دعمت على التوالي كلا من السادة حسين حبري وغوكومو عويدي وادريس ديبي لتصاب كل مرة بخيبة أمل إذ ان ايا من المسؤولين التشاديين لم يقبل بالاعتراف بشرعية مطالبة ليبيا بحزام آووزو، وما "المصالحة النهائية" في العام 1998 الا تعبير عن ذلك. وعلى كل حال، عندما يحصل أي بلد مجاور على مكاسب مهمة فان جميع الأطراف الآخرين يتحدون ضده وهذا ما حدث عندما اعلن القرار باقامة الوحدة بين تشاد وليبيا في العام 1981 اذ اثار في وجه طرابلس معارضة جميع الدول الافريقية وسائر الفرقاء التشاديين. وهذا ما سيحدث اذا حصلت السودان على مكاسب ملموسة من نجامينا عبر سياسة الجهاد الاسلامي التي تتبعها والتي لن تتأخر في استثارة ردة فعل نيجيريا القلقة من النزعة الانفصالية في مناطقها الشمالية. ولذلك يبدو أي تحالف لأي من القوى التشادية مع بلد مجاور هشاً وآنياً. وكل من الدول الافريقية الفاعلة تخشى انعكاسات الأزمة، فنيجيريا تخشاها على ولاياتها الشمالية، وليبيا على قبائلها الرحل، والسودان على التمرد في جنوبها. والحقيقة أن الحدود تبقى وهما إداريا أكثر منه واقعا سياسيا بالنسبة الى الشعوب التي لم "يترسخ" عندها بعد مفهوم الأرض. فقبائل التيبستي تفتح على الصحراء نفسها في الشمال وفي الجنوب، فيما الشرق يشكل امتدادا لمنطقة دارفور السودانية التي تقطنها شعوب الزاغاوى، بينما شعوب البول نفسها تترحل متنقلة في مجمل المناطق الساحلية... أما فرنسا فقد جندت نفسها في تشاد للدفاع عن نظام أقامته فيها بعيد الاستقلال، وشيئا فشيئا انزلقت الى المنطق نفسه السائد في الأزمة معتمدة خيارات الآخرين وأساليبهم نفسها (الانحياز الى القبيلة المنتصرة، منطق القوة...) لكنها لم تحقق من كل ذلك مكاسب دائمة أكثر من الآخرين، بل بالعكس انها ساهمت في رفع المسؤولية عن التشاديين حين كانت تغدق عليهم المساعدات المالية كلما وعد رئيس جديد، استولى عسكريا على السلطة، بتحقيق "المصالحة الوطنية" وباقامة "الديموقراطية". وفي خلافاتها مع سلطات نجامينا تلقت باريس الصفعة تلو الأخرى، ففي آذار/مارس طرد سفيرها من البلاد وبعد سنة ابعد ملحقها العسكري وعملاء وكالات الاستخبارات. والسؤال الذي قد يتبادر الى الذهن هو هل أن فرنسا قررت أن "تستمر صامدة" وأن تبقي قواتها لأنها تعتقد أن الحل لا يزال ممكنا او لأنها لا تريد التنكر لأربعين سنة من "سياستها التشادية"؟ وكي لا تخسر، بعد وسط افريقيا، موقعها الأخير في افريقيا الوسطى؟ -------------------------------------------------------------------------------- * موظف كبير، باريس. 1 مثل اغتيال اوتل بونو على يد الرئيس تومبلباي في العام 1973، وادريس مسكين عام 1984، ثم عباس كوتي أخيراً. http://www.mondiploar.com/ جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم

Tag(s) : #Actualités Tchadienne
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :